27‏/04‏/2008

سورة الفاتحة



بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وصحبه  ومن تبعه بأحسان إلى يوم الدين، أما بعد .. فقد قيل أن القلب مفتاح الفهم والادراك، وهذه اللطيفة ان صلحت صلح الامر كله وان فسدت فسد الامر كله، والقلب بيد الله وحده، يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء، بحكمته وعلمه، قال الله تعالى : {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ}، وقال تعالى :{ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه }، وقال تعالى :{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون}، وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل ، من سلكها وفق، ومن تخلف عنها خذل.
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى، وأن الله يحول بين المرء وقلبه ، فليست العبرة بالطريقة والكيفية ؛ بل الفتح من الله وحده ، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر ، فمتى أعطاك الله فهم القرآن ، وفتح لك معانيه ، فاحمد الله تعالى واسأله المزيد ، وانسب هذه النعمة إليه وحده ، واعترف بها ظاهرا وباطنا ... وان العبد قد يمنع الخير من قيام الليل والقراءة بذنب يحتاج الى استغفار .. فليس كل قاريء ومصلي على حد سواء في الأجر ولا كل قارئ ومصلي منح القبول .. أو دخل الجنة ! .. إنما يختص برحمتهِ من يشاء ويصرفه عن من يشاء .... وعلى هذا يتنافس المتنافسون!

11‏/04‏/2008


أدناه مختصر كتاب مفاتح تدبر القرآن لمؤلفه خالد بن عبد الكريم أرجو مطالعته لما فيه من الفائدة القيمة التي لا غنى عنها

طريق النجاح هو قراءة القرآن وتدبر معانيه

إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإن الوسيلة الأولى لإصلاح النفس وتزكية القلب والوقاية من المشكلات وعلاجها هو العلم ووسيلته الأولى القراءة والكتاب لذلك نجد أن الله تعالى لما أراد هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور أنزل إليهم كتابا يقرأ ، وفي أول سورة نزلت منه بدأت بكلمة عظيمة هي مفتاح الإصلاح لكل الناس مهما اختلفت الأزمان وتباينت البلدان إنها : { إقرأ } ، وعليه فمن أراد النجاح وأراد الزكاة والصلاح فلا طريق له سوى الوحيين القرآن والسنة : قراءة وحفظا وتعلما.
إن الإحالة على كتاب يقرأ ويفهم ويطبق هي الطريقة العملية للتغير والتطوير.
ولو تأملنا في حال سلفنا الصالح بدءاً من النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاءً بالمعاصرين من الصالحين لوجدنا أن القاسم المشترك بينهم هو القيام بالقرآن وفي صلاة الليل خاصة ، والعمل المتفق عليه عندهم الذي لا يرون التهاون به في أي حال هو الحزب اليومي من القرآن ، عن عمر بن الخطاب _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل
إنه الحرص على عدم فواته مهما حالت دونه الحوائل ، أو اعترضته العوارض ، لأنهم يعلمون يقينا أن هذا هو غذاء القلب الذي لا يحيا بدونه ، إنهم يحرصون على غذاء القلب قبل غذاء البدن ، ويشعرون بالنقص متى حصل شئ من ذلك ، بعكس المفرطين الذين لا يشعرون إلا بجوع أبدانهم وعطشها ، أو مرضها وألمها ، أما ألم القلوب وعطشها وجوعها فلا سبيل لهم إلى الإحساس به.
إن قراءة القرآن في صلاة الليل هي أقوى وسيلة لبقاء التوحيد والإيمان غضا طريا نديا في القلب .
إنها المنطلق لكل عمل صالح آخر من صيام أو صدقة أو جهاد وبر وصلة.
لما أراد الله سبحانه وتعالى تكليف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواجب التبليغ والدعوة وهو حمل ثقيلٌ جداً ؛ وجَّهه إلى ما يعينه عليه وهو القيام بالقرآن : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً } [1-7 سورة المزمل] .
لقد كثر في زماننا هذا الحديث عن النجاح والسعادة والتفوق والقوة، وكثرت فيه المؤلفات وكل يدعي أن في كتابه أو برنامجه الدواء الشافي ، والعلاج الناجع ، وأنه الكتاب الذي لا تحتاج معه إلى غيره ، والحق أن هذا الوصف لا يجوز أن يوصف به إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم.

في معنى التدبر وعلاماته

ومعنى تدبر القرآن : هو التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه ، وإدارك معانيه ، وحكمه ، والمراد منه .
أما علامات التدبر فهي:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن و من ذلك :
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [(83) سورة المائدة] ،{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [ (2) سورة الأنفال ] ، {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ (124) سورة التوبة] ، {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [107-109 :سورة الإسراء] ، { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا*} [(58) سورة مريم] ، {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [(73) سورة الفرقان] ،{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [(53) سورة القصص ] ، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [ (23) سورة الزمر] .
فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
1- اجتماع القلب والفكر حين القراءة ، ودليله التوقف تعجبا وتعظيما.
2- البكاء من خشية الله. 3- زيادة لخشوع. 4- زيادة الإيمان ، ودليله التكرار العفوي للآيات. 5- الفرح والاستبشار. 6-القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة . 7- السجود تعظيما لله عز وجل .
فمن وجد واحدة من هذه الصفات ، أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر

القلب آلة الفهم والعقل

الكلام في هذه المسألة - بإيجاز - من وجهين :
الأول: أن القلب هو آلة الفهم والعقل .
الثاني : أن القلب بيد الله وحده لا شريك له.
فأما الوجه الأول :
فقد دل على ذلك نصوص كثيرة ، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية، وسأكتفي في هذا المبحث بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة على المسألة ، وهي: قول الله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } [(57) سورة الكهف] ، وقوله تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [(46) سورة الحـج ] ،وقوله تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }[(4) سورة الأحزاب] .
وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها ، وإنما المقصود التذكير بأن القلب آلة الفهم والعقل والإدراك ، ومن ذلك فهم القرآن وتدبره .
وأما الوجه الثاني : القلب بيد الله وحده لا شريك له ، يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء ، بحكمته وعلمه سبحانه ، قال الله تعالى : {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ}[(24) سورة الأنفال] ، وقال تعالى :{ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه }[ (57) سورة الكهف ] ، وقال تعالى :{سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون } [ (164) سورة الأعراف ] ، وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل ، من سلكها وفق ، ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المسائل التالية .
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى ، وأن الله يحول بين المرء وقلبه ، فليست العبرة بالطريقة والكيفية ؛ بل الفتح من الله وحده ، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر ، فمتى أعطاك الله فهم القرآن ، وفتح لك معانيه ، فاحمد الله تعالى واسأله المزيد ، وانسب هذه النعمة إليه وحده ، واعترف بها ظاهرا وباطنا .

علاقة حب القرآن بالتدبر

من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به ، واشتاق إليه ، وشغف به ، وانقطع عما سواه ، والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته ، واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين ، والفهم العميق ، وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن إقبال القلب على القرآن يكون صعبا ، وانقياده إليه يكون شاقا لا يحصل إلا بمجاهدة ومغالبة ، وعليه فتحصيل حب القرآن من أنفع الأسباب لحصول أقوى وأعلى مستويات التدبر .
والواقع يشهد لصحة ماذكرت ، فإننا مثلا نجد أن الطالب الذي لديه حماس ورغبة وحب لدراسته يستوعب ما يقال له بسرعة فائقة وبقوة ، وينهي متطلباته وواجباته في وقت وجيز ، بينما الآخر لا يكاد يعي ما يقال له إلا بتكرار وإعادة ، وتجده يذهب معظم وقته ولم ينجز شيئا من واجباته .

علامات حب القلب للقرآن


حب القلب للقرآن له علامات منها :
1-الفرح بلقائه . 2- الجلوس معه أوقاتا طويلة دون ملل . 3- الشوق إليه متى بعد العهد عنه وحال دون ذلك بعض الموانع ، وتمني لقائه والتطلع إليه ومحاولة إزالة العقبات التي تحول دونه. 4-كثرة مشاورته والثقة بتوجيهاته والرجوع إليه فيما يشكل من أمور الحياة صغيرها وكبيرها. 5-طاعته ، أمرا ونهيا.
هذه أهم علامات حب القرآن وصحبته ، فمتى وُجدت فإن الحب موجود ، ومتى تخلفت فحب القرآن مفقود ، ومتى تخلف شئ منها نقص حب القرآن بقدر ذلك التخلف .
إنه ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال: هل أنا أحب القرآن؟
إنه سؤال مهم وخطير ، وإجابته أشد خطرا ،إنها إجابة تحمل معان كثيرة.
وقبل أن تجيب على هذا السؤال ارجع إلى العلامات التي سبق ذكرها لتقيس بها إجابتك وتعرف بها الصواب من الخطأ .
إن بعض المسلمين لو سئل هل تحب القرآن ؟ يجيب : نعم أحب القرآن ، وكيف لا أحبه ؟ لكن هل هو صادق في هذا لجواب ؟
كيف يحب القرآن وهو لا يطيق الجلوس معه دقائق ، بينما تراه يجلس الساعات مع ما تهواه نفسه وتحبه من متع الحياة.
قال أبو عبيد : "لا يسأل عبد عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله
إننا ينبغي أن نعترف بالتقصير إذا لم توجد فينا العلامات السابقة ، ثم نسعى في التغيير

لماذا تقرأ القرآن ؟

معظم الناس إذا سألته لماذا تقرأ القرآن ؟ يجيبك لأن تلاوته أفضل الأعمال ، ولأن الحرف بعشر حسنات ، والحسنة بعشر أمثالها ، فيقصر نفسه على هدف ومقصد الثواب فحسب ، أما المقاصد والأهداف الأخرى فيغفل عنها .
والمشتغل بحفظ القرآن تجده يقرأ القرآن ليثبت الحفظ ، الهدف تثبيت الحروف وصور الكلمات ، فتجده تمر به المعاني العظيمة المؤثرة فلا ينتبه لها ، ولا يحس ولا يشعر بها ؛ لأنه قصر همته وركز ذهنه على الحروف وانصرف عن المعاني ؛ فلهذا السبب تجد حافظا للقرآن غير عامل ولا متخلق به .
وجمع الذهن بين نيات ومقاصد متعددة في وقت واحد عملية تحتاج إلى انتباه وقصد وتركيز .
وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت كلما كان العمل أعظم أجرا وأكبر تأثيرا على العامل ، مثل الصدقة على ذي الرحم : صدقة وصلة ، ومثل النفقة على الأهل : نفقة وصدقة
وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة ، وكل واحدة منها كافية لأن تدفع المسلم ليسارع إلى قراءة القرآن ، ويكثر الاشتغال به وصحبته. وأهداف قراءة القرآن مجموعة في قولك :( ثمَّ شعَّ ) : (الثاء) : ثواب ، (الميم) : مناجاة ، مسألة ، (الشين) : شفاء ، (العين) : علم ، (العين) : عمل .
فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرا المقاصد الخمسة معا كان انتفاعه بالقرآن أعظــم ، وأجره أكبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن قرأ القرآن يريد العلم رزقه الله العلم ، ومن قرأه يريد الثواب فقط أعطي الثواب ، قال ابن تيمية ’: " من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق ، وقال القرطبي ’: " فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يجب ، وجعل في قلبه نورا ومن قرأ القرآن يريد النجاح يسر الله له

القيام بالقرآن

القيام بالقرآن من أهم مفاتيح تدبر القرآن وتعلمه، وقد ورد عدد من النصوص تؤكد أهميته ، من ذلك قول الله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] ، وقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * }[1-5 سورة المزمل] ، وقول الله تعالى : {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [(113) سورة آل عمران] ، وقول الله تعالى :{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[ (9) سورة الزمر] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ، فانظر إلى قوله : (ينفقه) مع قوله (يقوم به) فيؤخذ منه أن من آتاه الله القرآن ولم يقم به أي لم يقرأه في صلاة فهو مثل من آتاه الله مالا ولم ينفقه ، ويؤكد هذا الحديث الآتي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعلموا القرآن فاقْرَؤوه وأقْرِؤوه ، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك فدل هذا الحديث على أن من آتاه الله القرآن فرقد ولم يقم به فهو مثل من اشترى طيبا وتركه مغلقا ولم يستخدمه ، ويبين الحديث التالي الهدف من القيام بالقرآن ، وسبب هذا الفرق الكبير بين من يقوم به ، ومن لا يقوم به ، عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقم به نسيه ، فهذا هو بيت القصيد وهو حجر الزاوية في تدبر القرآن والانتفاع به ؛ إنه تذكر آيات القرآن الكريم ، وكونها حاضرة في القلب في كل آن ، وخاصة في المواقف الصعبة في الحياة ، مواقف الشدة والذهول ، المواقف التي يفتن فيها المرء ويمتحن ويختبر ، فمن كان يقوم به آناء الليل ، وآناء النهار فتجد إجابته حاضرة وسريعة وقوية ، تجده وقافا عند كتاب الله تعالى ، وأما من كان مفرطا في استخدام هذا المفتاح فما أسرع ما يسقط ويهوي ، ويدل لهذا المعنى قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [(153) سورة البقرة] ، فالصبر هو ثمرة العلم ، والعلم وسيلته القراءة بتدبر ، وهو حاصل لمن قرأ القرآن في صلاة ، لذلك قرن الله تعالى بينهما في أكثر من موضع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، ويطيل فيها قراءة القرآن كما في صلاة الكسوف ، فمن يتربى على هذا المفتاح - وخاصة من الصغر - يسهل عليه الانتفاع به في الحياة ، أما من لم يترب عليه فإنه تضيق به الحياة في حال الشدة ، وتضيع عليه الحياة حال الرخاء.
إن اجتماع القرآن مع الصلاة يمكن أن يشبه باجتماع الأكسجين مع الهيدروجين حيث ينتج من تركيبهما الماء الذي به حياة الأبدان ؛ فكذلك اجتماع القرآن مع الصلاة ينتج عنه ماء حياة القلب وصحته وقوته ، ولذلك فلا تعجب من كل هذا الفضل الذي رتب على هذا العمل ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمئة آية كتب من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيحب أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفات عظام سمان ؟ قلنا : نعم ، قال : فثلاث آيات يقرأ بهن أحدكم في صلاة خير له من ثلاث خلفات عظام سمان ، وبالإضافة إلى ما سبق ذكره فقد دلت نصوص على أن العبد إذا دخل في الصلاة فإنه يزداد قربا من الله تعالى ، وأنه سبحانه يقبل عليه بوجهه ، من ذلك ما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال : "أيها الناس إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنه مُنَاجٍ ربه ، وربه فيما بينه وبين القبلة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كان أحدكم في صلاة فلا يبزقن أمامه فإنه مستقبل ربه ، قال ابن جريج ’ قلت لعطاء ’: أيجعل الرجل يده على أنفه أو ثوبه ؟ قال: فلا ، قلت من أجل أنه يناجي ربه ؟ قال : نعم ، وأحب ألا يخمر فاه ، قال عطاء ’:"بلغنا أن الرب يقول : إلى أين تلتفت ؟ إليَّ يا ابن آدم ؛ إني خير لك ممن تلتفت إليه ، ولو لم يكن في القراءة داخل الصلاة إلا الانقطاع عن الشواغل والملهيات لكفى ، فإن المصلي إذا دخل في الصلاة حرم عليه الكلام والالتفات والحركة من غير حاجة ، فهذا أعون على التدبر والتفكر وأجمع للقلب ، وأيضا فإن من حوله لا يقاطعه ولا يشغله ما دام في صلاته.

القراءة في الليل

إن الليل - وخاصة وقت السحر- من أفضل الأوقات للتذكر ، فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء ، وبسبب بركة الوقت حيث النزول الإلهي ، وفتح أبواب السماء ، فأي أمر تريد تثبيته في الذاكرة بحيث تتذكره خلال النهار فقم بمراجعته في هذا الوقت ، وقد استفاد من هذا أهل الدنيا من أهل السياسة والاقتصاد وخاصة الغرب ؛ حيث ذكر عدد منهم أنه يقوم بمراجعة لوائحة ، أو حساباته ، أو معاملاته وأوراقه في مثل هذا الوقت وأنه يوفق للصواب في قراراته ، فأهل القرآن أهل الآخرة أولى باغتنام هذه الفرصة لتثبيت إيمانهم وعلمهم ، وإن من الحقائق التاريخية الجديرة بالدراسة والتأمل تلك العلاقة بين قوة المسلمين وبين قيامهم بالقرآن في الليل ، فمن خلال تأمل سريع تجد أن انتصارات المسلمين وجدت حينما كانت جنوده توصف بأنهم : (رهبان بالليل فرسان في النهار ) ، ومما يدل على كون القراءة في ليل أحد مفاتح التدبر قول الله عز وجل : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء]، وقول الله عزوجل :{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [(6) سورة المزمل] قال ابن عباس رضي الله عنه : "هو أجدر أن يفقه القرآن " ، ويقول ابن حجر - عن مدارسة جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان -: " المقصود من التلاوة الحضور والفهم ، لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ، وقال الله تعالى : {لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [(113) سورة آل عمران] ، وقال الله تعالى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ (9) سورة الزمر] ، وقال الحسن بن علي رضي الله عنه: " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ،ويتفقدونها في النهار والشاهد قوله:" يتدبرونها بالليل" وقال ابن عمر رضي الله عنه : "أول ما ينقص من العبادة : التهجد بالليل ، ورفع الصوت فيها بالقراءة ، وقال الشيخ عطيه سالم ’ - حاكياً عن شيخه الشنقيطي ’ -: " وقد سمعت الشيخ يقول : لا يثبت القرآن في الصدر ، ولا يسهل حفظه ، وييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل ، وقال السري السقطي’ : " رأيت الفوائد ترد في ظلام الليل ، قال النووي ’: "ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر ، وفي صلاة الليل أكثر ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة ، وإنما رجحت صلاة اليل وقراءته لكونها أجمع للقلب ، وأبعد عن الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات ، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات ، مع ماجاء به الشرع من إيجاد الخيرات في الليل ، فإن الإسـراء بالرسول صلى الله عليه وسلم كان ليلا ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل وفي هذا دلالة واضحة على أن الأصل في القيام بالحزب من القرآن هو الليل ، وفي حالة العذر فإنه يعطى الثواب نفسه إذا قضاه في النهار

التكرار في القراءة

إن الهدف من التكرار هو التوقف لاستحضار المعاني ، وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني التي تفهم من النص ، والتكرار - أيضا - قد يحصل لا إراديا تعظيما أو إعجابا بما قرأ ، وهذا مشاهد في واقع الناس حينما يعجب أحدهم بجملة أو قصة فإنه يكثر من تكرارها على نفسه أو غيره ، التكرار : نتيجة وثمرة للفهم والتدبر ، وهو أيضا وسيلة إليه حينما لا يوجد ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : "لا تهذوه هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة ، وقال أبو ذر رضي الله عنه : "قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(118) سورة المائدة] ، وعن عباد بن حمزة ’ قال: " دخلت على أسماء رضي الله عنها وهي تقرأ: { فَمَنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم }[(27) سورة الطور] قال: فوقفت عليها فجعلت تستعيذ وتدعو ، قال عباد: فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي فيها بعد تستعيذ وتدعو ، وعن القاسم بن أبي أيوب ’ أن سعيد بن جبير ’ ردَّدَ هذه الآية :{ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } [ (281) سورة البقرة ] بضعا وعشرين مرة ، وقال محمد بن كعب القرظي ’ : لأن أقرأ ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) و (القارعة ) أرددهما وأتفكر فيهما أحب من أن أبيت أَهُذُّ القرآن ، وردَّدَ - الحسن البصري ’ - ليلة {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(18) سورة النحل] حتى أصبح ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن فيها معتبرا ما نرفع طرفا ولا نرده إلا وقع علىنعمة , وما لا نعلمه من نعم الله أكثر ، وقام تميم الداري رضي الله عنه بآية حتى أصبح {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [(21) سورة الجاثية] ، قال ابن القيم ’ : هذه عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصبح ، قال النووي ’ : " وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم الآية الواحدة ليلة كاملة أو معظمها يتدبرها عند القراءة ، وقال ابن قدامة ’: " وليعلم أن ما يقرأه ليس كلام بشر وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلامه فإن التدبر هو المقصود من القراءة وإن لم يحصل التدبر إلا بترديد الآية فليرددها .

الربط بين الألفاظ والمعاني

المسألة الأولى: مفهوم هذا الربط
هو : ربط اللفظ بالمعنى ؛ أي : حفظ المعاني ، وهو أيضا: ربط الآية بالواقع ؛ أي: تنزيل الآية على المواقف والأحوال اليومية التي تمر بالشخص ، هو التمثل بالقرآن في كل حدث يحصل في اليوم والليلة ، بحيث يبقى القرآن حيَّاً في القلب تؤخذ منه الإجابات والتفسيرات للحياة ، وتؤخذ منه التوجيهات والأنظمة في كل صغيرة وكبيرة ، وهذا الربط يعرف عند علماء النفس بالاقتران الشرطي ، ويعرف بالوقت الحاضر عند علماء البرمجة بالإرساء ، وهو ما يعرف في القرآن والسنة بالذكر أو التذكر ، وهو يعني تداعي المعاني ، كما قال تعالى؛{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [(201) سورة الأعراف] .
المسألة الثانية: أنواعه
الربط أو التداعي نوعان : عفوي وقصدي ، فالعفوي إلهامات وفتوحات يفتحها الله تعالى على من يشاء من عباده ، وقصدي : وهو أن تقوم بالربط ثم التكرار حتى يرسخ ويثبت ، والتكرار الذي يحقق الربط نوعان : الأول : التكرار الآني ، و الثاني : التكرار الأسبوعي ، أما التكرار الآني فسبق بيانه في المفتاح السابع ، وأما التكرار الأسبوعي فسبق بيانه في المفتاح الخامس .
المسألة الثالثة: كيفية الربط
أن تكرر اللفظ مع استحضار معنى جديد في كل مرة ، حتى تمر على كل المعاني التي يمكن أن تتذكرها من النص أو اللفظ ، وقد سبق ذكر كلام الحسن البصري ’ حين قام الليل كله يكرر قول الله تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فلما قيل له ؟ قال : إن فيها معتبرا ما نرفع طرفا ولا نرده إلا وقع على نعمة.
المسألة الرابعة: حسابات الألفاظ والكلمات
الألفاظ قوالب المعاني وحساباتها البنكية ، فكلمة عند شخص لها خمسة معاني ، وعند آخر سبعة معاني ، وعند ثالث : صفر خالية لا تعني له شيئا .
إن إدارك ووعي الناس لآيات القرآن يتفاوت تفاوتا كبيرا مع أن الآية هي الآية يقرؤها هذا ويقرؤها هذا وإن ما بينهما في عمق فهم الآية أو الجملة كما بين المشرقين

الترتيل في التلاوة للقرآن

الترتيل يعني الترسل والتمهل ، ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى ، بحيث يكون القارئ متفكرا فيما يقرأ ، قال الله تعالى : { ورتل القرآن ترتيلا } [4 المزمل ] ، قال ابن كثير : أي اقرأه على تمهل فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره ، وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه ، قالت عائشة رضي الله عنها : " كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها وعن أنس رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت مدا يمد بسم الله ، ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم ، وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان يقطع قراءته آية آية { بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين }.
قال الحسن البصري ’ : يا ابن آدم كيف يرق قلبك وإنما همتك آخر السورة وقد أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على نهيك بن سنان ’ سرعته في القراءة حين قال : قرأت المفصل البارحة فقال عبد لله رضي الله عنه : "هذّاً كهذِّ الشعر ! إنا قد سمعنا القراءة وإني لأحفظ القُرَناء التي يقرأ بهن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه لعلقمة ’ -وقد عَجِل في القراءة -: " فداك أبي وأمي رتل فإنه زَيْنُ القرآن ، قال ابن مفلح ’: "أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها ، وصفة قراءة القرآن التي نقلت إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته è تدل على أهمية الترسل وتزيين الصوت بالقراءة ، فمن ينظر إلى أي كتاب في التجويد يدرك هذه الحقيقة بجلاء ووضوح ، ولم ينقل ذلك إلا للقرآن ، فالأحاديث ولخطب والمواعظ لم ينقل فيها شئ من ذلك ، وإنه لفرق كبير في التمهل والتأني بين من يطبق أحكام التجويد ومن لا يطبقها بل يهذ القراءة هذّاً .
عن حذيفة رضي الله عنه قال : " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ، ثم النساء فقرأها ، ثم آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ

التغني والجهر بالقرآن

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به ، وعنه أيضا رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل ، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل ؛ وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ، وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت : "كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي ، وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض صوته ، ومَرَّ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلي رافعا صوته ، قال : فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض من صوتك ؟ قال : قد أسمعت من ناجَيْتُ يارسول الله ، وقال لعمر : مررت بك وأنت تصلي ترفع صوتك ؟ فقال : يا رسول الله أوقظ الوسنان ، وأطرد الشيطان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا ، وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئا وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة بالليل فقال :"كان يقرأ في حجرته قراءة لو أراد حافظ أن يحفظها فعل ، وقال ابن عباس رضي الله عنه - لرجل ذكر له أنه سريع القراءة - :" إن كنت فاعلا فاقرأ قراءة تسمعها أذنك ، ويعيها قلبك ، وعن ابن أبي ليلى ’ قال:" إذا قرأت فاسمع أذنيك فإن القلب عدل بين اللسان والأذن .
إن الجهر بما يدور في القلب أعون على التركيز والانتباه ولذلك تجد الإنسان يلجأ إليه قسرا عندما تتعقد الأمور ويصعب التفكير.

10‏/02‏/2008


من فضائل قراءة القرآن

عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب, وطعمها طيب, ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها, وطعمها حلو, ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها مر) رواه مسلم
وعن زيد أنه سمع أبا سلاّم يقول: حدثني أبو أمامه الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرؤوا القرآن, فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه, اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران, فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان, أو كأنهما غيايتان, أو كأنهما فرقان من طير صواف, تحاجان عن أصحابهما, اقرؤوا سورة البقرة, فإن أخذها بركة, وتركها حسرة, ولا يستطيعها البطلة) رواه مسلم