إن الليل - وخاصة وقت السحر- من أفضل الأوقات للتذكر ، فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء ، وبسبب بركة الوقت حيث النزول الإلهي ، وفتح أبواب السماء ، فأي أمر تريد تثبيته في الذاكرة بحيث تتذكره خلال النهار فقم بمراجعته في هذا الوقت ، وقد استفاد من هذا أهل الدنيا من أهل السياسة والاقتصاد وخاصة الغرب ؛ حيث ذكر عدد منهم أنه يقوم بمراجعة لوائحة ، أو حساباته ، أو معاملاته وأوراقه في مثل هذا الوقت وأنه يوفق للصواب في قراراته ، فأهل القرآن أهل الآخرة أولى باغتنام هذه الفرصة لتثبيت إيمانهم وعلمهم ، وإن من الحقائق التاريخية الجديرة بالدراسة والتأمل تلك العلاقة بين قوة المسلمين وبين قيامهم بالقرآن في الليل ، فمن خلال تأمل سريع تجد أن انتصارات المسلمين وجدت حينما كانت جنوده توصف بأنهم : (رهبان بالليل فرسان في النهار ) ، ومما يدل على كون القراءة في ليل أحد مفاتح التدبر قول الله عز وجل : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء]، وقول الله عزوجل :{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } [(6) سورة المزمل] قال ابن عباس رضي الله عنه : "هو أجدر أن يفقه القرآن " ، ويقول ابن حجر - عن مدارسة جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان -: " المقصود من التلاوة الحضور والفهم ، لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ، وقال الله تعالى : {لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [(113) سورة آل عمران] ، وقال الله تعالى : {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ (9) سورة الزمر] ، وقال الحسن بن علي رضي الله عنه: " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ،ويتفقدونها في النهار والشاهد قوله:" يتدبرونها بالليل" وقال ابن عمر رضي الله عنه : "أول ما ينقص من العبادة : التهجد بالليل ، ورفع الصوت فيها بالقراءة ، وقال الشيخ عطيه سالم ’ - حاكياً عن شيخه الشنقيطي ’ -: " وقد سمعت الشيخ يقول : لا يثبت القرآن في الصدر ، ولا يسهل حفظه ، وييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل ، وقال السري السقطي’ : " رأيت الفوائد ترد في ظلام الليل ، قال النووي ’: "ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر ، وفي صلاة الليل أكثر ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة ، وإنما رجحت صلاة اليل وقراءته لكونها أجمع للقلب ، وأبعد عن الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات ، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات ، مع ماجاء به الشرع من إيجاد الخيرات في الليل ، فإن الإسـراء بالرسول صلى الله عليه وسلم كان ليلا ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل وفي هذا دلالة واضحة على أن الأصل في القيام بالحزب من القرآن هو الليل ، وفي حالة العذر فإنه يعطى الثواب نفسه إذا قضاه في النهار
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق